• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

علم الحقيقة وحقيقة الوجود

د. لؤيي فتوحي/ د. شذى الدركزلي/ د. جمال نصار

علم الحقيقة وحقيقة الوجود

◄إنّ السير على الطريق الإلهي الى الله يجعل الإنسان قريبا من الله، وإنّ اقترابه من الله يحوّله تدريجياً إلى مرآة صقيلة تعكس الطاقة الإلهية عنه على ما يحيط به، وكلّما ازداد هذا الإنسان اقتراباً من الله ازداد مقدار ما ينعكس عنه من الطاقة الإلهية. إنّ هذا الانعكاس للطاقة الإلهية يتجسّد في أنواع الظواهر الخارقة للعادة، بما فيها المتزامنات، التي تُطال مختلف جوانب حياة السالك نفسه والمحيط الذي يعيش فيه. وهذا يعني أنّ السير على الطريق الإلهي إلى الله، وبالتالي الاقتراب من الله عزّوجلّ، يغيّر من تركيبة الواقع الذي يعيش فيه الإنسان، حيث يبدأ هذا الواقع بالتحوّل تدريجياً من عالم أسباب مألوفة بالدرجة الأولى، أي عالم تدخل إلهي غير مباشر، إلى عالم في الكثير من خوارق إلهية، بعضها من خوارق عالم التدخل الإلهي غير المباشر، كالتي تتضمن تدخلا من عالم الطاقات الفائقة، إلّا أنّ معظمها من خوارق التدخل الإلهي المباشر. أي إنّ واقع الإنسان يتغيّر بشكل جوهري عن واقعة قبل الطريقة والذي كان واقعاً مشابهاً لواقع الناس البعيدين عن الله.

ليست المفردات الجديدة التي تبدأ بالظهور في حياة الإنسان السالك وفقاً لمنهج الطريق مشكلة واقعه الجديد مجرد ظواهر خارقة للمألوف من القوانين والعادات، ولكنّها خوارق إلهية المصدر تشير صراحةً وعلناً، لا ضمنياً ولا سراً، إلى خالقها. حيث يبدأ واقع السائر على الطريق الإلهي إلى الله بالتغيّر من واقع ظاهره أسباب وباطنه الله إلى واقع ظاهره وباطنه الله، من واقع يتجلّى فيه الله باسمه «الباطن» من خلال ظواهر سببية إلى واقع يتجلّى فيه باسمه «الظاهر» من خلال خوارق «كن فيكون». إنّ هذا هو جوهر المضمون الرسالي لظواهر التدخل الإلهي المباشر التي تبدأ في التجلّي في واقع الإنسان المسافر على الطريق الإلهي إلى الله، والتي تشكّل المتزامنات جزءاً كبيراً منها.

يمثل الظهور المتزايد للخوارق الإلهية في واقع مريد الوصول إلى الله عملية تعليم فريدة يعلّم الله من خلالها الإنسان النظر إلى العالم بمختلف أشيائه وظواهره بشكل مغاير تماماً لما كان يألفه قبل أن يسير على الطريق الإلهي إليه. فمن خلال تدخل المتزايد باسمه «الظاهر» في حياة الإنسان يعلّم الله عبده أن يراه دائماً.

إنّ ظهور الأسماء والأرقام والحيوانات والأماكن ومختلف الأشياء والحوادث في سياقات ظواهر خارقة للعادات والمألوفات كإشارات إلهية تشير بمختلف الأشكال إلى خالقها تجعل الإنسان يباين وبشكل تدريجي طبعه في النظر إلى مفردات الوجود هذه من خلال دلالاتها وخواصها الفيزيائية وعلاقاتها السببية بعضها ببعض ليبدأ في النظر إليها كعلامات ودلائل تشير إلى الله عزّوجلّ.

إنّ علم الإشارة الإلهية هو أحد تجليات علم رؤية الوجود على حقيقته، أو «علم الحقيقة»، الذي لابدّ للإنسان من الحصول عليه للوصول إلى الله. فبينما يجعل علم الإشارة الإلهية الإنسان يرى تجلّيات التدخل الإلهي المباشر في مفردات لغة الإشارة فإنّ علم الحقيقة يجعل الإنسان يرى هذه التجلّيات تطال كلّ شيء وظاهرة من دون استثناء.

فعلم الحقيقة يجعل الإنسان يتذكّر الله كلّما وقع بصره على شيء وليس فقط عندما ينظر إلى الخوارق من الظواهر، وذلك لأنّ جوهر علم الحقيقة هو القدرة على النظر إلى العالم بنور الله الذي يجعل الناظر به يرى كلّ شيء على حقيقته: موجوداً قائماً بالله، دائم الوجود بدوام مدد الله له. إنّ نور الله يكشف للناظر به كلّ شيء ولذلك قال الرسول (ص): «اتقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله».

إنّ الإنسان الذي يصل إلى علم الحقيقة، أي يكتسب مقام الرؤية بنور الله، يفهم عقلياً وعيانياً كذلك سبب إطلاق الله عزّوجلّ في القرآن العظيم تسمية «آيات» لا على المعجزات والكرامات من خوارق «كن فيكون» وعلى كلامه الذي أنزله في كتابه العزيز فقط ولكن على كلّ ظواهر عالم الأسباب أيضاً، أي على كلّ ما في الوجود. إذ إنّ الواصل إلى هذا المقام يرى تدخل الله متجلّياً في الظاهرة الطبيعية المألوفة ويشهد بأنّ الإرادة الإلهية هي القانون الحقيقي الوحيد الذي يسير كلّ شيء كما يراه متجلّياً في الظواهر التي يخرق فيها الله القوانين التي وضعها. فالاختلاف بين ظواهر التدخل الإلهي المباشر وظواهر التدخل الإلهي غير المباشر يختفي في عين الناظر إلى الوجود بنور الله لأنّ هذا النور يبيّن للناظر أنّ حقيقة وباطن أسباب ظواهر التدخل الإلهي غير المباشر هو تدخل إلهي مباشر هو الذي يديم وجود الأسباب كما أظهرها إلى حيز الوجود من بعد إن لم تكن شيئاً مذكوراً.►

 

المصدر: كتاب علم خوارق العادات البارانورمالوجيا

ارسال التعليق

Top